كلمة معالي الأمين العام الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى في مؤتمر التسامح في الإسلام ببريطانيا
كلمة معالي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
 
في مؤتمر التسامح في الإسلام
 
الذي تعقده الرابطة  بالتعاون مع جامعة لندن 
لندن: 19/8/1438هـ 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
صاحب المعالي السير أدريان سميث، نائب رئيس جامعة لندن.
السادة المسؤولين في الجامعة.
الضيوف الكرام.
لكم مني التحية الطيبة، وأود أن أعرب لكم في هذا الحفل البهيج، عن السعادة التي تغمرني بهذا المؤتمر الذي تعقده رابطة العالم الإسلامي في حرم جامعة لندن العريقة، وهي فرصة سانحة للحوار واستجلاء ما لدى كل طرف يمثل توجهاً فكرياً أو انتماءاً دينياً أو سياقاً حضارياً، من أطروحات وتصورات ومبادئ، في نشر ثقافة التعايش والسلام، وقيم التفاهم والتسامح.
ولا يخفى ما صارت إليه الشعوب والطوائف الدينية والعرقية، من التداخل والتمازج والاحتياج المتبادل، في هذا العصر الذي انتقلت فيه الدولة من صيغتها التقليدية المعتمدة على الاعتبارات القومية والانتماء العرقي، إلى الصيغة الحديثة المعتمدة على فكرة المواطنة ونظرية العقد الاجتماعي، والمبادئ الديمقراطية.
وأوروبا الغربية تكاد تكون في المرتبة الأولى من احتضان فسيفساء من الأعراق والأديان، وفدت عليها من مختلف أنحاء العالم، وفي مقدمتها شعوب الشرقين الأدنى والأوسط، والضفة الجنوبية من حوض البحر الأبيض المتوسط، انجذاباً لما يتوفر في دول القارة من القوة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، والاستقرار السياسي، والنمو المدني.
ومن قوة الدولة ورسوخ جذورها في الاستقرار، ما تمتلكه من القدرة على استيعاب التنوع الديني والعرقي لمواطنيها، بضمانة من القوانين العادلة التي تكفل الحقوق وتنظم الحريات، على أسس من العدالة في الاستحقاقات، والمساواة في الاعتبارات الإنسانية.
 
ومن أهم ما يبرز اليوم على الساحة الأوربية في المجالين الإعلامي والسياسي، الجدل المحتدم بين الكتل السياسية والقيادات الفكرية والمجتمعية، حول الوجود الإسلامي في القارة، وما يبديه البعض من المخاوف على الهوية الأوربية ذات الطابع التقليدي المسيحي والجذور الثقافية اليونانية الرومانية، والتعبئة ضد هذا التهديد المحتمل. ولا يخفى ما للحوادث الإرهابية التي طالت عدداً من الدول الأوربية، وتجنيد الأفراد في داعش وما يشاكلها، من تبرير تلك المخاوف والتعبئة المستهدفة لمسلمي أوروبا.
وفي ظل هذه الظروف تهيب رابطة العالم الإسلامي، بالقيادات الفكرية والسياسية والمجتمعية في الداخل الأوروبي، أن تنأى عن التصرفات المبنية على ردود الأفعال ومثيرات الانفعال، وتصغي إلى صوت العقل والحكمة، في التعامل مع هذه الحالة، وتتحلى بروح الانفتاح والتطلع إلى كسب الصداقة مع الأمم والشعوب الأخرى، وفتح آفاق الحوار مع الهيئات والقيادات الإسلامية الفاعلة في الساحة الأوربية أو خارجها، للتعرف على ما لديها من رؤى وأطروحات في هذا الموضوع الشائك.
ونحن في الرابطة نكثف في خطابنا من التركيز على ارتهان أمن مسلمي أوروبا بأمن دولها وشعوبها، ونمد أيدينا للتعاون معهم في محاصرة الظاهرة الإرهابية بتدابير وقائية استباقية، والتصدي لها في جذورها الفكرية، والتصحيح للأخطاء في المفاهيم الإسلامية، والتوعية بما يختزنه ديننا الحنيف من القيم الخلقية والمبادئ الشرعية الكفيلة بتحقيق الأمن الشامل في المجتمع، وصيانة حقوق الأقليات الدينية التي تعيش بين المسلمين.
 
ونرى أن الذي يخدم مصلحة المجتمع الأوروبي، ويدعم فيه الوحدة والاستقرار، هو الاستيعاب العادل لمختلف المكونات الدينية، والعمل على تجاوز هواجس التحسس من أي فئة دينية سواء كانت مسلمة أو غيرها. ونعتقد أن هناك مصلحة استراتيجية مؤكدة، لا يجوز التفريط فيها، تكمن في بناء علاقات مع دول العالم الإسلامي ومنظماته وشعوبه، تحظى بالتفاهم والثقة والاحترام المتبادل، على اعتبارات إنسانية بحتة.
والأمل في أن يكون للدول الأوربية سواء في داخل الاتحاد أو خارجه، مساهمة إيجابية في دعم القضايا العادلة للمسلمين وحل مشكلاتهم، ونثني على المواقف المنصفة التي بدت من أوروبا حكومات وشعوباً، في مساندة الشعب الفلسطيني تجاه السياسة الإسرائيلية المتغطرسة.
 
وما زلنا نؤكد في خطابنا على أن هناك عقبات في طريق تحقيق التفاهم المرضي بيننا وبين غيرنا، تكمن في اعتقادات خاطئة، ومعلومات مغلوطة، عن الإسلام في وقائعه التاريخية المبكرة، وفي مبادئ دعوته وأهداف رسالته المفتوحة على العالم. ومن المؤسف أن هناك جهات مغرضة أو متصلبة في مواقفها، لم تزل تصر على تسويق هذه الأخطاء، وتستغل وجودها في بعض الأذهان، في دفع الناس إلى اتخاذ مواقف سيئة من المسلمين وحقوقهم وقضاياهم المختلفة.
وما زلنا نؤكد في مختلف المناسبات التي تجمعنا مع غير المسلمين، على أهمية التمييز بين الأغلبية الساحقة للمسلمين التي تتبنى سماحة الإسلام وقيمه الإنسانية الداعية إلى نشر السلام العالمي، وانفتاحه على الأمم والشعوب، وبين شرذمة قليلة لا تمثل إلا نفسها، تبنت العنف والإرهاب باسم الإسلام، واستهدفت بجرائمها المسلمين وغيرهم، وقد نشأ لديها هذا التوجه نتيجةَ ظروف اقتصادية أو سياسية تتسم بالحرمان وغياب العدالة الاجتماعية، وقد واتتها الازدواجية في المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي، تجاه بؤر التوتر ومسارح الصراع التي يكون المسلمون طرفاً فيها، كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية وطائفة الروهينجا في بورما.
 
وفي الختام يسرني أن أتوجه بالشكر الجزيل، للمسؤولين في جامعة لندن العتيدة، وعلى رأسهم رئيستها الأميرة آنّ، مبدياً استعداد الرابطة للتعاون في مجالات مشتركة، وتطلعها لآفاق جديدة من الحوار وتلاقح الأفكار في خدمة المشترك الإنساني، ودعم العلاقات الإسلامية البريطانية خاصة والأوربية بعامة.
وأتمنى للمؤتمر النجاح والتوفيق.
سه‌شنبه, 13 ژوئن 2017 - 14:01